قضايا و اراء
الثلاثاء 25-مارس-2008
17من ربيع الأول 1429 هـ
الكاشـــــــــفة
17من ربيع الأول 1429 هـ
الكاشـــــــــفة
**** بقلم: فهمـي هـويـــدي ****
أزمة الخبز في مصر خبر سيئ لا ريب, لكن الأسوأ منه هو ما كشفت عنه, الأمر الذي يعني أننا بصدد مفاجأتين وليس مفاجأة واحدة, إحداهما من العيار الثقيل والثانية من العيار الأثقل
أزمة الخبز في مصر خبر سيئ لا ريب, لكن الأسوأ منه هو ما كشفت عنه, الأمر الذي يعني أننا بصدد مفاجأتين وليس مفاجأة واحدة, إحداهما من العيار الثقيل والثانية من العيار الأثقل
.(1)مشكلة الخبز مصطنعة وليست حقيقية, هكذا فهمت مما سمعت وقرأت, فالقمح متوافر واستيراده منتظم برغم ارتفاع سعره وشحه في السوق العالمية, إذ وصل سعر الطن الي540 دولارا في حين أنه كان240 دولارا في عام2006, والأزمة حدثت بسبب التلاعب في توزيعه سواء عن طريق استخدامه كبديل أرخص لعلف الماشية, أو تهريبه وبيعه في السوق السوداء لصالح شركات ومحال القطاع الخاص التي تنتج الخبز الفاخر والحلوي.بسبب ذلك التلاعب شح الخبز في الأسواق, وتزاحم الناس علي طوابير شرائه, التزاحم أدي الي التدافع, الذي أوقع بعضا من الاشتباكات, وهذه أدت الي وفاة البعض وإصابة آخرين, حتي أصبحت الصحف تتحدث عن حرب الخبز وشهداء الخبز..الخ, النتائج التي ترتبت بعد ذلك نشرتها الصحف, فقد اجتمع الرئيس مبارك مع رئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيين بالأمر, وتقرر في الاجتماع أن يتدخل جهاز الخدمة المدنية ووزارة الداخلية لحل الإشكال, بحيث يشارك الاول في توفير الخبز وتشارك الثانية في توزيعه, كما تقرر أن يقدم إلي رئيس الدولة تقرير اسبوعي عن الجهود المبذولة في هذا الصدد.دخول جهاز الخدمة المدنية والشرطة علي خط حل الأزمة, وتولي رئيس الجمهورية المتابعة الاسبوعية لجهود الحل, دلالة غاية في الأهمية, ذلك أنها تعني أن الجهاز الإداري القائم علي الأمر فشل في إدارة الأزمة, وهو ما اقتضي اللجوء الي حلول استثنائية للتعامل معها, إن شئت فقل إن الفساد في هذه الدائرة استقوي واستشري بحيث أصبح قادرا علي هزيمة أجهزة الحكم المحلي ومؤسسات الرقابة الشعبية, والأجهزة الأمنية علي مستوي القاعدة, وسواء تم ذلك بسبب ضعف هذه الجهات وعجزها, أو بسبب اختراقها والتواطؤ مع بعض عناصرها, فالنتيجة واحدة, وهي أن الفساد ظل الطرف الأقوي بحيث اقتضت هزيمته تنحية تلك الجهات التي رسبت في الاختبار جانبا, واستدعاء الخدمة المدنية والشرطة لإعادة السيطرة علي الموقف
.(2)بعدما تقرر الاستعانة بالخدمة المدنية والشرطة لحل الأزمة, قام مساعد وزير الداخلية لأمن القاهرة, اللواء إسماعيل الشاعر, بجولة في بعض ضواحي العاصمة لتفقد أوضاع توزيع الخبز الذي تم بواسطة عربات الأمن المركزي, وما كاد الرجل يدخل منطقتي مدينة السلام والبساتين في جنوب القاهرة, حتي تحلق الناس حوله, واشتكوا له من استغلال سائقي حافلات الركاب الصغيرة( الميكروباص والسرفيس) الذين يرغمونهم علي دفع أجرة أكثر من القيمة المقررة, وطبقا لما نشر صباح الأربعاء3/19 فإن اللواء الشاعر أمر ضباط المباحث بمراقبة هذه العملية, عن طريق التنكر في ثياب مدنية وركوب الحافلات لتحرير مخالفات للسائقين المخالفين الذين يتقاضون أجورا أعلي من التسعيرة المقررة, وحين ذهب مساعد الوزير الي حلوان, اشتكي له المواطنون من تراكم القمامة وسط مساكنهم وأمام مجمع المدارس, فقرر ازالتها بالتنسيق مع محافظة القاهرة, وعين حراسة أمنية علي المكان لمنع إلقاء القمامة في المكان.ما أثار انتباهي في القصة المنشورة أن مسئول أمن القاهرة خرج في مهمة تتعلق بمشكلة الخبز, فإذا بالناس يواجهونه بمشكلة إضافية تتعلق باستغلالهم من قبل سائقي الميكروباص, وبعد ذلك وجد نفسه مطالبا بحل مشكلة تراكم القمامة, ولست أشك في أن الرجل لو واصل جولته لوجد قائمة طويلة من الشكاوي, سواء من غلاء الأسعار أو تدهور الخدمات التعليمية والصحية أو نقص المياه وتلوثها أو عصابات البلطجية والعاطلين الذين يفرضون الإتاوات علي الناس..الخ, وهو ما يعني أمرين مهمين أولهما أن الناس أصبحوا يضجون بالشكوي, سواء من الغلاء أو الفوضي أو من قصور الخدمات, والثاني أنهم يريدون أن يسمعوا أصواتهم الي المسئولين, لكنهم لا يجدون أذنا تصغي إليهم, فهم في واد والمسئولون في واد آخر.اذا صح ذلك التحليل فإنه يستدعي ذات السؤال الكبير الذي طرحته أزمة الخبز, وهو: أين الأجهزةالعديدة الحكومية والأهلية المنوط بها القيام علي أمور الناس ورعاية مصالحهم وحل مشكلاتهم؟
(3)الصورة قابلة للتعميم, واذا لاحظت أن جولة مدير أمن القاهرة كانت في جنوب العاصمة, فلك أن تتصور كم الشكاوي التي يعاني منها الناس في أطراف الدلتا وجنوب الصعيد, ولعلي لا أبالغ اذا قلت انك اذا أردت أن تعرف ما يحدث في تلك المناطق, فما عليك إلا أن تضرب أوجاع القاهرة وأحزانها في عشرة أضعاف علي الأقل, لذلك فإننا حين نكتشف أن الجهاز الإداري بكامل مؤسساته وجهات الرقابة الشعبية بمختلف مستوياتها غيب دورها تماما في أزمة الخبز, ونقيس علي ذلك ما يجري في القطاعات الأخري, فإننا نصبح بإزاء واقع تدوي فيه أجراس الإنذار والخطر.أزمة الخبز هي الكاشفة, التي أزاحت الأستار عن الحقيقة التي سكت عنها كثيرون وجهلها آخرون, وجاء استنفار الخدمة المدنية والشرطة للقيام بما عجزت أجهزة الإدارة المدنية عن القيام به, ليطرح حلا ما خطر ببال أحد, يعبر عن اليأس من إمكان الاعتماد علي تلك الأجهزة, وهو ما أعتبره نوعا من الإقالة المؤقتة لها.
في ظروف من هذا القبيل حدث ما هو أغرب, إذ قرأت لأحد الكتاب مقالا دعا فيه الي نقل مسئولية العمل الخدمي في مصر الي الخدمة المدنية, إذ نشرت صحيفة الحياة اللندنية في3/15 تعليقا بهذا المعني لكاتب مصري قال فيه إنه إزاء كارثة انهيار الخدمات العامة في مصر, وإزاء فشل أجهزة الإدارة في مهمتها, فلم يعد باقيا أمام الدولة المصرية سوي نقل القيادة الميدانية اليومية للعمل الخدمي الي الخدمة المدنية, ليبادر باقامة نظام جديد للخدمات العامة, يديره قادته, بأدواتهم وآلياتهم ومناخهم الانضباطي, ودعا الكاتب المدنيين في الحكم والمعارضة إلي تجاوز المخاوف والحساسيات والترحيب بالدور المأمول للخدمة المدنية في إصلاح نظام الخدمات العامة لتجنيب البلاد الاحتقان واحتمالات الفوضي.صحيح أنه رأي فردي, لكنه من وحي واقع أعطي انطباعا بأن هذا هو الحل.
(4)لا تفوتك ملاحظة أن غياب دور الأجهزة المدنية وتدهور الخدمات ظهر جليا في الأفق بعد مضي35 عاما مما سمي في حينه آخر الحروب, ذلك أنه خلال الفترة التي أعقبت حرب1973 وحتي اللحظة التي نعيشها في عام2008, لم تنشغل مصر بغير همها, فلا حاربت من أجل أحد, ولا ضحت من أجل أحد, وفي هذا المناخ روجت دعاوي الانكفاء علي الذات لعناوين عدة كان من بينها اطلاق شعار مصر أولا الذي تبنته مدرسة انتحلت لنفسها اسم اللوبي المصري, ودأب منظروها علي المناداة بفك الارتباط مع المحيط العربي, والدعوة الي التركيز علي الشأن الداخلي دون غيره.بعد ذلك الانكباب والتفرغ المفترض لتنمية الداخل طوال35 عاما, فاجأتنا أزمة الخبز وقبلها أزمة المياه, ومع الاثنين أزمة الغلاء الفاحش, غير أزمة التدهور الكبير في خدمات التعليم والصحة فضلا عن الاسكان والمرافق, فوجئنا أيضا بأن الأجهزة المدنية عاجزة عن التعامل مع مشكلات الناس, الأمر الذي اضطرنا الي الاستعانة بالخدمة المدنية والشرطة لحل بعض تلك المشكلات, وهو ما يطرح السؤال التالي:
+++ لماذا عجزت أجهزة الإدارة المحلية الرسمية والشعبية عن أن تقوم بواجبها في رعاية مصالح المجتمع وحل مشكلات الناس؟ عندي في الاجابة عن السؤال أربعة أسباب هي:
*** إن الأولوية دائما كانت منصبة علي الأمن السياسي دون الأمن الاجتماعي, وهو ما شغل مختلف الأجهزة بالأول وأدي الي إهمال الثاني, حتي أصبحت أقسام الشرطة تستنفر اذا شمت رائحة نشاط معارض أو إرهابي, وتململ وتتحرك متثاقلة اذا تعاملت مع ما هو مدني أو جنائي, وقد قرأت في الصحف القومية تعليقات تساءلت عن السبب في عدم تطبيق قانون الطوارئ علي الذين تلاعبوا بأقوات الناس, مثلما تطبق علي غيرهم الذين يقدمون للمحاكمة العسكرية.
*** إن القيادات التنفيذية المحلية كلها تشغل مناصبها بالتعيين وليس بالانتخاب, وذلك أمر نادر الحدوث في العالم المعاصر, وحين تعين الحكومة المحافظ ورئيس مجلس المدينة أو القرية, فإن ولاءه يظل للجهة التنفيذية التي عينته ولا ينشغل إلا باسترضائها, أما اذا تم انتخاب كل هؤلاء فإن استجلاب رضا الناس والتفاني في خدمتهم سيحتل الأولوية لدي كل واحد, وفي ظل استمرار الوضع الراهن فلا غرابة في أن ينعزل أولئك القادة المحليون عن الواقع, بحيث لا تؤرقهم كثيرا هموم الناس ومشكلاتهم الحياتية.
* **إننا لا نكاد نلمس تطبيقا أو احتكاما لقاعدة الثواب والعقاب فيما يخص المسئولين عن الحكم المحلي إلا في حالة واحدة, هي التي تتصل بالنواحي الأمنية, إذ طالما لم يحدث أي إخلال بالأمن, فكل ما عدا ذلك يمكن تمريره وغض الطرف عنه, وهو ما أشاع بين العاملين في تلك الأجهزة شعورا بأنهم لا يحاسبون عن الفشل أو القصور في تقديم الخدمات للناس.
*** إن الرقابة الشعبية منعدمة, والسباق فيها لا يدور حول التنافس من أجل خدمة المجتمع وتحقيق ما ينفع الناس, ولكن محوره يظل سياسيا في نهاية المطاف, بحيث غدا الشاغل الأساسي فيه هو هوية القوي السياسية الممثلة في المجالس المحلية, وقد مررنا في مصر بالإعداد لتجربة انتخابية من هذا القبيل قبل أيام قليلة شابتها ملابسات كثيرة وتدخلات سافرة لفرض مرشحي الحزب الوطني, الذين ينتظر أن يفوزوا بأكثر من90% من مقاعد المجالس المحلية في أنحاء البلاد, وحين تكون أغلبية المجالس المحلية من أعضاء الحزب الحاكم, ويكون ذلك حاصلا في مجلس الشعب أيضا, فإن الحديث عن جدية الرقابة الشعبية علي حكومة الحزب وعلي الأجهزة الرسمية علي مستوي المحافظات يصبح مشكوكا فيه.وحين يصبح أعضاء هذه المجالس باختلاف مستوياتها, ممثلين للحزب وليس المجتمع, فلا غرابة في أن تستعير السلطة في أوقات الأزمات اطرافا أخري مثل الخدمة المدنية والشرطة لحل بعض المشكلات المتفاقمة التي تواجه المجتمع.ما العمل؟
اسمحوا لنا بأن نفكر في الاجابة عن السؤال في الأسبوع المقبل بإذن الله.
================================================
الى هنا انتهى حديث الاستاذ فهمى هويدى فى جريدة الاهرام اليوم
وقد احببت ان انقله الى المدونة للمنفعة العامة
اولا انا باعتبر الاستاذ هويدى الان من اكفأ المحللين السياسين الموجودين على الساحة بعد الاستاذ هيكل
ثانيا انا اقدمه كهدية لصديق قدمه (مقال الاستاذ هويدى)لنا الاسبوع الماضى ولربما حالت ظروف الامتحانات عن متابعته للجرائد.
هناك تعليقان (2):
مش عارف أقول إيه ..... شكراً على المقال ...
لأني فعلاً منقطع عن متابعة الأخبار والجرايد بس لأني مش ناقص إكتئاب .... إحنا خلاص داخلين في عصور الإضمحلال
دمتي بخير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
**انا محتاج**
لا شكر على واجب
انا برضه ساعات كتير بأشيل مقاله الاستاذ من غير ما اقرأها (لانى برضه مش ناقصه "وجع قلب")لكن لازم احتفظ بيها فى مكان ما.والسلام عليكم
norahaty
إرسال تعليق