أفيون قندهار وغضب جامعة كابول

كتب الاستاذ /محمد عيسي الشرقاوي

ضابط كبير يرصع صدر بزته العسكرية بالنجوم والنياشين‏..‏ ما إن وصل إلي مدينة أفغانية مشاغبة تمقت الاحتلال وتناصب جورج بوش الابن العداء‏..‏ حتي قال قولا قد يصبح مأثورا‏:‏ أشعر كأنني في غرفة مظلمة‏..‏ وأتحسس طريقي بصعوبة بالغة‏..‏ وكأنه يؤكد ان الحرب في أفغانستان صعبة وعسيرة وأن الانتصار فيها متعذر ومستحيل‏.‏

يأتي هذا الكلام المبين في العام السابع للحرب المستعرة في أفغانستان ولم تحقق فيها القوة الأمريكية نصرا‏,‏ وإنما صارت عالقة ومعلقة في أذيال احتمالات الهزيمة‏..‏ ففي خلال سنوات الحرب منذ سقوط نظام طالبان عام‏2001‏ انشطرت البلاد الي شطرين‏:‏ العاصمة وضواحيها‏

وتسيطر قوات الاحتلال الأمريكية علي زمام الأمور فيها‏..‏ والمناطق الريفية في الجنوب والشرق تخضع لطالبان التي استعادت قوتها‏,‏ وتبسط الآن سطوتها علي حزام الباشتون‏,‏ ومن أبرز مدنه المشاغبة هلمند وقندهار‏..‏ وفيه تزدهر زراعة نبات الأفيون‏,‏ ويتم انتاجه بكثافة لا نظير لها في بلد آخر‏..‏ مما يجعل أفغانستان‏,‏ في زمن الاحتلال الأمريكي‏,‏ عاصمة الأفيون في العالم‏.‏

ولأن الاحتلال الأمريكي لأفغانستان صار في مأزق تستحكم حلقاته‏..‏ فان كبار الجنرالات يرون ان الأمل في تغيير هذا الوضع الكارثي ربما يلوح في الأفق بعد أربع سنوات‏..‏ وذلك عندما يستكمل الجيش الأفغاني الجديد تدريبه عام‏2012..‏ ويمكنه أن يخوض المعارك ضد طالبان‏..‏

وهذه التوقعات العسكرية تغفل ان الواقع الأفغاني يلفظ حمما جديدة في مواجهة الاحتلال‏..‏ وهذا ما تشير إليه أنباء نشرتها صحف أوروبية‏..‏ فقد ذكرت ان خلية ثورية سرية مناهضة للاحتلال الأمريكي قد تشكلت في جامعة كابول‏..‏ وهذا يعني ان الثورة الغاضبة والمناهضة للاحتلال لم تعد مقصورة علي الفلاحين والمناطق الريفية‏..‏ وإنما بلغت قلب الجامعة في العاصمة‏,‏ وهذا نبأ جلل وخطير لم تنكره السلطات الرسمية الأفغانية‏,‏ وإن كانت قد حاولت التقليل من شأن مخاطره‏.‏

واللافت للانتباه ان ما تسرب من أنباء عن خلية طلبة الجامعة يشير الي ان ثمة تيارا أفغانيا جديدا لا يؤمن بالعمليات الانتحارية وقتل المدنيين يتبلور‏..‏ ويبدو أكثر انفتاحا وتفهما للمتغيرات الاجتماعية‏..‏ لكنه عنيف وصلب في كراهيته للاحتلال الأمريكي‏.‏ ولأن الوضع قد بلغ هذا المنحدر‏..‏ فان حامد كرزاي الذي نصبته سلطات الاحتلال رئيسا للبلاد‏..‏ لا بأس من أن يصبح كبش الفداء‏..‏ وتشير امريكا الي انه بسبب ضعف حكومته وتفشي الفساد المسئول الأول عما يحيق بالبلاد‏!‏ وتشير باصبع الاتهام الي أخيه غير الشقيق أحمد والي الذي يعيث فسادا في قندهار وتربطه صلات مشبوهة بتجارة الأفيون‏.‏

غير ان جورج بوش رئيس زمن الحرب والفوضي ليس في وسعه ان يفعل شيئا يذكر لانقاذ الموقف‏..‏ ولم يبق له حتي يرحل من البيت الأبيض سوي ان يعتمد خطة طرحها المسئولون في ادارته لبناء سجن كبير جديد في أفغانستان‏,‏ لأن سجن باجرام سييء السمعة يضيق بمن يقبع في ظلماته من معتقلين‏..‏ وهكذا تزدهر ديمقراطية السجون وتجارة الأفيون في زمن الاحتلال الأمريكي‏!!‏

****************************************************************