قضايا و اراء:
القضيــة الفلســطينية في نهايــة الطريــق
بقلم : فهمـي هـويـــدي
حلول العام الستين للنكبة مناسبة لإلقاء نظرة فاحصة علي مشهد الصراع, لكي نفتش عما تبقي لنا من أوراق وخيارات, وما يلوح لنا من آفاق.
(1) قرأت قصة الحاجة جميلة أبو عبية التي ولدت في قرية سيدنا علي بقضاء يافا في سنة1930 التي هجرت مع أسرتها بعد حرب عام48 إلي قرية المقيبلة شمال جنين. وبعد حرب67 انتقلت إلي العيش في نابلس, وظلت طوال الوقت تحتفظ بمفتاح بيت أسرتها في قرية سيدنا علي. ومع المفتاح احتفظت بكل الأوراق الرسمية التي تثبت ملكية البيت, كما أنها لم تفرط في بندقية قديمة مما اقتنته أسرتها لتدافع عن بيتها وأرضها في عام1948.اشتهرت الحاجة جميلة بقوة ذاكرتها وحجتها, ويذكرون لها أنها استقبلت ذات يوم المسئول الأول عن وكالة الغوث الدولية, الذي سألها عما إذا كانت تقبل مليون دولار تعويضا لها عن أرض أسرتها ومنزلها في قرية سيدنا علي. فكان ردها: وفر مليونك واعطني بدلا من ذلك خيمة أقيمها فوق تراب بيتي الذي هدم, أقضي فيها بقية حياتي. ذلك لم يحدث بطبيعة الحال, ولكن الذي حدث أن الحاجة جميلة قامت في سنة2005 بزيارة لبعض أهلها في قرية المقيبلة الذين هاجروا معها في سنة48 ثم دفعها الحنين إلي زيارة مسقط رأسها في سيدنا علي. وشاءت المقادير أن تكون صورة القرية هي آخر ما وقعت عليها عيناها من فلسطين. لأنها ماتت بعد ذلك بأربعة أيام.
2-أبو السعيد فلسطيني آخر من جيل الحاجة جميلة, في عام48 اضطرت عائلته إلي الهجرة من قريتهم مجد الكروم التي تطل علي البحر قرب عكا. نزحوا إلي مدينة الخليل في الضفة أملا في أن يعودوا إلي قريتهم بعد ذلك. فهاجر الرجل مرة ثانية إلي عمان ليستقر في مخيم الوحدات. ومن عمان ذهب إلي الكويت للعمل هناك. لكن احتلال العراق للكويت في عام90 اضطره للهجرة مرة أخري إلي الأردن, ولا يزال يقيم هناك إلي الآن, إلا أنه بعدما بلغ من العمر75 سنة فقد الأمل في العودة إلي قريته أم الكروم, التي محيت من الخريطة الفلسطينية في طبعتها الإسرائيلية, لكنه واثق من أن واحدا من أحفاده الـ25 سيعود في يوم لا يعرفه, لكنه يحلم به كل يوم.
(3) ليست هذه قصة اثنين من فلسطين, ولكنها قصة أكثر من ستة ملايين شخص من أمثالهما يعيشون في الشتات منذ ستين عاما( هناك ثلاثة ملايين آخرون نصفهم يعيشون في قطاع غزة والنصف الآخر لا يزال باقيا داخل إسرائيل. ولا يزال كبار السن يحملون مفاتيح بيوتهم التي طردوا منها وأوراقهم التي تثبت ملكيتهم لها, وهؤلاء هم الذين طردوا في عام48 من530 مدينة وقرية, ومن662 ضيعة ونجعا.رحلة الستين عاما يوزعها الدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة بير زيت بين ثلاث مراحل هي:
**النكبة(1948)التي اقترنت باستيلاء الصهاينة بالقوة المسلحة علي78% من أرض فلسطين وأقاموا عليها عام48 دولتهم,
** والنكسة(1967) التي أتمت فيها إسرائيل سيطرتها علي كامل الأراضي الفلسطينية في عام1967 ***والهلكة (1993)التي بدأت باتفاق أوسلو عام93( أفضل تسميتها الوكسة التي تطلق في العامية المصرية علي الخيبة الكبري), وهي المستمرة إلي الآن. والتي عملت فيها علي تقنين إخضاع الفلسطينيين وإضفاء الشرعية علي الأراضي التي احتلتها في عام67.
خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة تحركت إسرائيل علي أربعة مستويات.:
الأول :استمرار التفاوض مع قيادة السلطة الفلسطينية لكسب الوقت والحصول علي المزيد من التنازلات ـ
الثاني: تدمير المقاومة الفلسطينية من خلال التصفية الجسدية والاجتياحات
الثالث: التمدد علي الأرض من خلال الاستيطان وإقامة السور الذي ابتلع المزيد من الأراضي ـ
الرابع :اختراق العالم العربي من خلال التطبيع المعلن وغير المعلن.طوال الخمس عشرة سنة هذه تعددت المشاريع والمبادرات والخطط التي طرحت لتسوية الموقف والبحث عن حل نهائي للقضايا العالقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وكانت آخرها خريطة الطريق التي طرحتها الإدارة الأمريكية في عام2003 ورؤية بوش(2004) التي تبنت فكرة إقامة الدولة الفلسطينية إلي جانب الإسرائيلية, وتحددت نهاية العام الحالي(2008) موعدا لإقامة الدولة الفلسطينية.
خلال الفترة نفسها حدثت ثلاثة تطورات مهمة في الساحة العربية.
**أولها الإعلان الرسمي عن اعتبار السلام خيارا استراتيجيا للعرب في تعاملهم مع إسرائيل ـ خيارا
وحيدا إن شئت الدقة ـ
**وثانيها إعلان المبادرة العربية في قمة بيروت(2002) التي عرض فيها القادة العرب الاعتراف والتطبيع الكامل مع إسرائيل في مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها في عام67 ـ
**ثالثها إعادة اصطفاف الدول العربية وانقسامها إلي أقطار معتدلة وأخري متطرفة. الأولي تعتبر أن إيران العدو وليس إسرائيل, والثانية علي العكس تري في إسرائيل العدو الحقيقي وليس إيران. ولأن الدول الأولي هي الأكبر عددا والأقرب إلي الولايات المتحدة وإسرائيل, فإن ذلك أدي إلي تهميش القضية الفلسطينية وتراجع أولويتها عربيا.(3) الموقف العربي أدي إلي طمأنة إسرائيل استراتيجيا, إذ لم يعد يقلقها في العالم العربي سوي حزب الله والموقف السوري الممانع( حتي الآن) والمستضيف لقيادات المقاومة. فحكاية السلام كخيار استراتيجي أراحتها كثيرا, ورفضها المبادرة العربية لم يغضب الدول التي تبنتها, وحين انطلت علي العرب حكاية الدول المعتدلة والمتطرفة فإن ذلك بعث إليها برسالة تقول إن بعض العواصم العربية لم يعد يري في إسرائيل الخطر الأول.وعندما انضاف إلي ما سبق انقسام الصف الفلسطيني بين فتح وحماس, فإن ذلك وفر لها فرصة لا تعوض سواء مماطلة الطرف الفلسطيني المفاوض لها, الذي صار أضعف ولم يعد يمثل إجماعا فلسطينيا.ولأنها كانت مطمئنة أيضا إلي أن الإدارة الأمريكية مؤيدة لها علي طول الخط, فإن مجمل هذه العوامل شجعها علي التمادي في المراوغة والتشدد. إذ بعد أكثر من20 اجتماعا بين أبو مازن وأولمرت. وأكثر من50 لقاء بين أبو قريع رئيس الفريق الفلسطيني المفاوض وبين تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية, وبعد15 زيارة قامت بها كوندوليزا رايس للمنطقة بهدف تحريك مفاوضات السلام, كان العرض الإسرائيلي للحل النهائي كالتالي:
*( منطقة القدس الكبري), مستثناة من التفاوض, وهي جزء من دولة إسرائيل تم ضمه إليها عام1967 وهي تمتد من أطراف رام الله إلي أطراف مدينة بيت لحم.
*( منطقة القدس الكبري), مستثناة من التفاوض, وهي جزء من دولة إسرائيل تم ضمه إليها عام1967 وهي تمتد من أطراف رام الله إلي أطراف مدينة بيت لحم.
*( منطقة الحوض المقدس), التي تشمل البلدة القديمة في القدس, وحي سلوان, تكون السيادة عليها إسرائيلية, مع إدارة فلسطينية أو إسلامية للمسجد الأقصي والأوقاف الإسلامية.
*( الكتل الاستيطانية) في الضفة الغربية, يتم ضمها كلها إلي إسرائيل, ويحق لهذه الكتل أن تتوسع أفقيا لتحقيق التواصل الجغرافي فيما بينها, أما الأراضي الفلسطينية المقطعة فمسموح لها فقط أن تتواصل من خلال الجسور والأنفاق.
*( منطقة غور نهر الأردن), تبقي تحت السيطرة الإسرائيلية مع مستوطناتها, وهي تشمل منطقة واسعة بعمق17 كلم تمتد من نهر الأردن إلي أطراف منطقة طوباس.
*( قضية اللاجئين), ترفض حكومة أولمرت عودة أي لاجئ فلسطيني إلي دولة إسرائيل, وتوافق علي لم شمل لعشرة آلاف شخص فقط.هذه المقترحات الصادمة أعدها مكتب أولمرت وأبلغت إلي أبو مازن, كما عرضتها تسيبي ليفني علي أحمد قريع ولخصتها بثلاث نقاط
: سيطرة إسرائيلية علي الكتل الاستيطانية,
وسيطرة إسرائيلية علي منطقة القدس,
وسيطرة إسرائيلية علي غور الأردن.
(4) هذه النقاط الخمس نقلتها عن مقال كتبه الأستاذ بلال الحسن الصحفي والسياسي الفلسطيني البارز في جريدة الشرق الأوسط في5/4 الحالي, ليس فقط ثقة في اطلاعه ومصادره, ولكن أيضا لأنها تعبر بدقة عن المضمون الذي خلص إليه ا ثنان من الباحثين الإسرائيليين المهمين في كتابين صدرا هذا العام, وعرضها هنري سيجمان وهو باحث يهودي محترم في عدد10 أبريل/ نيسان من مجلة لندن ريفيو أوف بوكس, وقد أشرت إلي هذين الكتابين في مقام آخر. والكتابان هما إمبراطورية الصدفة لمؤلفه جيرشوم جورنبرج وأسياد البلاد لمؤلفته إيديث زرتال. والكتابان يقولان بصراحة إن إسرائيل لم تكن جادة في أي وقت في مناقشتها موضوع الدولة الفلسطينية المجاورة, لكنها عملت طول الوقت علي استحالة قيام تلك الدولة من الناحية الجغرافية, عن طريق تكثيف إقامة المستوطنات في الضفة, ليصبح نهر الأردن هو الحد الشرقي لها. وغاية ما تقبل له في ظل الخلل الحالي في موازين القوة هو إقامة حكم ذاتي فلسطيني تحت السيطرة الاستراتيجية الإسرائيلية الكاملة.الإحباط الذي عبر عنه أبو مازن أكثر من مرة في الآونة الأخيرة يدل علي أن الرجل أدرك في نهاية المطاف أن إسرائيل لن تقدم له شيئا يحفظ ماء الوجه. فإذا لم يستطع أن يطلق أسيرا فلسطينيا واحدا ولم ينجح في إزالة شيء من الـ600 حاجز التي وضعتها إسرائيل لتعذيب الفلسطينيين وشل حركتهم, وفشل في أن يوقف غول الاستيطان الزاحف, فلن يكون بوسعه أن ينجز شيئا مما وعد به في موضوع الدولة التي عاصمتها القدس. وبعد أن تواترت التصريحات والتعليقات الفلسطينية التي تحدثت عن الفشل تلو الفشل في المفاوضات, وجدنا المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة يصرح لصحيفة الأيام الفلسطينية في6 مايو الحالي بأن أبو مازن سوف يضطر لاتخاذ قرارات دراماتيكية إذا لم يستطع التوصل إلي اتفاق مع الإسرائيليين في المفاوضات الجارية.ليس معروفا علي وجه الدقة ما هي طبيعة هذه الإجراءات لكن القرائن التي بين أيدينا تدل علي أن أبو مازن وصل إلي نهاية الطريق في سيره وراء خريطة الطريق. وأن المفاوضات صارت عبئا علي القضية وليس عونا أو حلا لها, وأن التقدم نحو حل الدولتين لم يحقق أي خطوة إلي الأمام خلال الخمس عشرة سنة التي حلت فيها الوكسة.الدكتور علي الجرباوي لا يري مخرجا من المأزق إلا بإعلان حل السلطة الفلسطينية والعودة إلي الاحتلال الإسرائيلي مرة ثانية, واحتشاد الجميع وراء النضال لإقامة الدولة الواحدة. وقد أخبرني أن استطلاعا أجري أخيرا في الأرض المحتلة بين أن30% من الفلسطينيين يؤيدون هذا الحل, الذي يبدو أن أنصاره يتزايدون بين المثقفين الفلسطينيين الذين يقف الدكتور عزمي بشارة في مقدمتهم. وكان أحدثهم الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي الذي كتب مقالا قبل أيام دعا فيه إلي التفكير في حل السلطة( الحياة اللندنية5/5).. وإن وصول الجميع إلي نهاية الطريق يتطلب إعادة التفكير بصورة جذرية في البدائل المتاحة.
هناك 3 تعليقات:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو الناس كلها زي الحاجة جميلة ابو عبية رحمة الله عليها واسكنها فسيح
جناتة امين يارب مكنش دة بقي حالنل رفضت مليون دولار مقابل ارضها وحتة خيمة الله يرحمها
اما ابو السعيد ربنا يبلغة املة يارب ويصبرة
وثانيها إعلان المبادرة العربية في قمة بيروت
مبادرة اية بس هيا اسرائيل بتعترف بمبادرات او
اي قانون دولي كل الا بيعملوة دة محرم دوليا
بس هنقول اية العرب مستنين صلاح الدين
علشان يصحوا ويصحوا ضميرهم الا مات واتخرس
وتخاذل علي ضياع الارض والعرض
شهداء اطفال شيوخ نساء
مين فينا يقبل اختة او بنتة او زوجتة تغتصب امام عينة
مين فينا يقبل طفلة الرضيع 45يوم يموت برصاص غدر جبان
من فينا يصبر او يقبل يتقطع اخية لمجرد اشلاء او قطع لحم
مين يقبل اختة او بنتة او زوجتة كلب يهاجمها وياكل زراعها
هقول اية بس من يقبل ينتطرد ويشتت في الشارع
معاهدة اية وتطبيع اية الا عملوة احنا كما العادة
موتمرتنا كلها لحل نزاعتنا الداخلية مصر وليبيا او العراق والكويت
وبس حاسبي الله ونعم الوكيل
تحياتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سعيد والله لاني صاحب اول تعليق ويارب
دوما اخت وصديق وياريت تزوريني في فينكو يا عرب
فائق احترامي وتحياتي
ياسر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياسر***
من كتر الاحداث والمأسى ما بقى الواحد عارف يرد يقول ايه
حسبنا الله ونعم الوكيل.
يظهر يا ياسر الواحد حيبطل يتكلمفى السياسة (زى واحد اعرفه يقولك ايه....مابحبش الكدب= ما حبش السياسة)كلامة عين العقل والله
ودام الود والتواصل ان شاءالله.
إرسال تعليق